يبدو أن البحث والتأليف في التشريع التربوي المدرسي أمر سهل، غير أن الباحث فيه، يصطدم بترسانة قانونية، لم يعرف جزء كبير منها، بعد، المناقشة، ما يتطلب كثيرا من الجهد، والنية المخلصة. وأمام انعدام المؤلفات، وتشعب وتنوع المصادر القانونية المنظمة للموضوع، يتبين أن دراسة التشريع المدرسي أو قل: التشريع التربوي المدرسي، أو النظرية العامة للتشريع التربوي المدرسي، تتطلب بحثا منسقا، تنسجم فيه قواعده، وتتماسك؛ من هنا نبعت الأهمية البالغة، والضرورة القصوى، لاستفسار الذاكرة المعرفية لمنظومة تشريع المغرب في ميدان التربية الوطنية، وقراءة نصوصه، ضمن ثوابته الجامعة، وتفعيل واستيعاب ما تمليه الظروف والمتغيرات الاجتماعية، والقضايا المستجدة وضرورات الانسجام الكوني.
والواقع أن التشريع التربوي المغربي، سواء تعلق الأمر بالأسرة أو بالمدرسة، مبني على مقاصد الشريعة الإسلامية، ومستمد من الواقع الاجتماعي المغربي، ومن مبادئ وقواعد الاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب في انسجام تام بين الأصالة والمعاصرة؛ ما يجعل من الميثاق الوطني للتربية والتكوين مكسبا تاريخيا، ورمزا حضاريا، وقفزة نوعية في مجال إعداد إنسان مستقيم وسوي للحياة الشريفة في المجتمع، بولادته ونشوئه في بيئة سليمة، ومحيط مطمئن ومستقر ؛ وفي ذلك، بلا شك، دعوة إلى التحلي بفضائل السلوك القويم في المعاملة المدرسية، والحرص على ترسيخ مقومات مدرسة مغربية وفية لقيمها وأصالتها منفتحة على عصرها ؛ ولن يتم ذلك، طبعا، إلا بالإسهام العلمي المتواصل في مجال البحث التربوي، وما ستتوصل إليه الأبحاث من نتائج وحلول ومقترحات تساعد على بناء مدرسة مغربية الجديدة؛ غير أن تبني الميثاق الوطني للتربية والتكوين والقوانين المطبقة له الصياغة الحديثة، يقتضي، قبل أية دراسة القيام بتدقيق مفاهيمه وتقعيده، وتحديد المستويات الدلالية لمصطلحاته التي هي بالتأكيد، مستويات متعددة وخصبة يلزم تعيين حدودها، وإلا غدا الكلام فضفاضا، ومخلا بالدقة والموضوعية.
والبحث، عموما، يُشكل حصادا لكثير من الحوارات المباشرة مع عدد غير قليل من المتخصصين وغيرهم ؛ وقِرَاءَةً لما نُشر في الكتب، وما يُكتب على المواقع الالكترونية، ويُتداول في الندوات العلمية واللقاءات التربوية والمنابر الثقافية؛ ومنطلقا لحوار علمي خصب تتجاوز إشكالاته تخوم وحواجز العديد من التخصصات ليزج بالباحث في زوايا تداخلها وتعددها، ويُهيئ له آفاقا ممتدة للتفكير والتساؤل، ويمده بإجابات لعديد من المشكلات حَرِيُّ به أن يلتمس لها حلولا عملية، ويَدْفَعُ إلى البناء، والتطوير الخلاق، والتحلي بروح المسؤولية، والاستقلالية في التفكير والممارسة.

اكتب تعليق على الموضوع