التعلم في منظور المدرسة السلوكية

نظريات التعلم: النظرية السلوكية


تعد السلوكية مدرسة سيكولوجية تجريبية وعلمية بامتياز، لقيت انتشارا كبيرا في منتصف القرن العشرين، يمثلها مجموعة من الباحثين كالأمريكيين واطسون (Watson) (1958-1878م)، وسكينر (Skinner) (1904-1990م) ، وثورندايك (Thorndike) (1874-1949م)...، والفيزيولوجي والطبيب الروسي بافلوف (Pavlov) (1963-1849م)،...

وتعتبر السلوكية اكبر مدرسة سيكولوجية تعنى بمجال التعلم لدى المتمدرس بطريقة علمية موضوعية وتجريبية. هدفها دراسة السلوك الخارجي الملاحظ في علاقة بالمثير والاستجابة. وقد أجريت تجاربها الأولى على الحيوانات، من كلاب، وفئران، وقطط، وحمام، بغية تطبيقها على الإنسان.

ولم تقتصر السلوكية على نظرية المثير والاستجابة البسيطة كما هو الأمر عند بافلوف فحسب، بل تطورت مع بيداغوجيا الأهداف التي اهتمت بتسطير مجموعة من الأهداف السلوكية المعرفية، والوجدانية، والحسية الحركية. علاوة على التعليم المبرمج (Enseignement programmé) الذي استفاد من تقنيات المدرسة السلوكية، والتعليم الحاسوبي الذي استلهم إوالياته النظرية والتطبيقية من المدرسة السلوكية. دون أن ننسى استفادة بيداغوجيا الكفايات من هذه النظرية مع تطويرها

إذا كان بافلوف قد اهتم بدراسة الانعكاس المشروط، بدراسة ردود الفعل لدى الحيوان في علاقته بالمحيط الذي يوجد فيه، فإن واطسون أراد أن يبني نظرية السلوك الإنساني على وحدة بسيطة هي الفعل المنعكس، ودرس الفعل المنعكس في الحيوانات الدنيئة البسيطة والراقية ، واعتبر سلوك الإنسان مجموعة من الأفعال المنعكسة الشرطية المعقدة .

وعليه، فقد كانت السلوكية تنظر إلى التعلم وفق منظور إشراطي، بربط التعلم بثنائية المثير والاستجابة

و يعد إدوارد ثورندايك (Thorndike Edward) (1874-1949م) من العلماء الأمريكيين الذين يحسبون على التيار السلوكي، عرفت نظريته باسم "التعلم بالمحاولة والخطأ" أو "النظرية الترابطية (Connexionnisme) ، وهي نظرية تعتبر أن التعلم هو نتاج الربط بين المثير والاستجابة. ومن ثم، تتقوى عملية التعلم أو تضعف حسب قوة الترابط وضعفه.

المفاهيم المرتبطة بالنظرية السلوكية

وتعني نظرية المحاولة والخطأ أن الإنسان يتعلم بالخطأ، ونتيجة تكرار المحاولات الكثيرة بغية الوصول إلى الهدف المطلوب. وتقوم هذه النظرية التعلمية على مجموعة من المفاهيم الأساسية هي:

  • التكرار: يساعد المتعلم على تجنب الخطأ بعد القيام بمجموعة من المحاولات في مرات زمنية متعددة ، بتصحيح الاستجابات الخاطئة بالاستجابات الصحيحة.
  •  التدعيم أو التعزيز: يعني التقويم الإيجابي بتقديم المكافأة لتشجيع المتعلم على الاستجابة.
  •  الانطفاء: إذا لم يتحقق التدعيم، يقع الانطفاء أو يتراجع المتعلم عن الاستجابة الفورية.
  •  الاسترجاع التلقائي: بعد عملية الانطفاء، يمكن للمتعلم أن يسترجع قواه بطريقة تلقائية.
  • التعميم: ما يتعلمه المتعلم من موارد يمكن أن يوظفها ويدمجها في أثناء مواجهته لوضعيات متشابهة.
  •  التمييز : يعني هذا المبدأ أن المتعلم إذا فشل في حل المشكلة الوضعية الجديدة بناء على وضعيات سابقة مشابهة، فلا بد من اللجوء إلى مبدأ التمييز للتفريق بين الموقف السابق والموقف الجديد.
  •  العلاقات الزمانية: يقوم الزمان بدور مهم في تقويم التعلمات، فكلما كانت الاستجابة فورية وفي مدة قصيرة كان التعلم ناجحا، وكلما طالت الفترة الزمنية ضعف التعلم والاكتساب.

وقد أحضر ثورندايك صندوقا للقطط، ووضع الطعام خارج الباب ليحفز القطط ويطوعها على فتح الباب الحديدي للظفر بذلك الطعام. وبطبيعة الحال، لن يتحقق له ذلك بسهولة ومرونة ويسر إلا بالضغط على أداة حديدية مساعدة، تسنده في فتح باب القفص لإشباع رغبته البيولوجية.

ويلاحظ أن القط يكرر محاولاته الخاطئة في فتح الباب مرات عدة حتى يحصل له المرام والمبتغى والغاية، فيخرج من قفصه الحديدي.

وقد رسم ثورندايك مبيانا إحصائيا تكراريا للتثبت من عدد المحاولات التي تسمح للقط بالخروج من القفص بسرعة. وقد تحسن أداء القط بعد (117 ) محاولة خاطئة لمدة أسبوع. وتضاءلت المدة الزمنية التي استغرقها التعلم لدى القط عن طريق المحاولة والخطأ.


وقد توصل ثورندايك إلى مجموعة من القوانين المتعلقة بنظرية المحاولة والخطأ ، وهذه القوانين هي:

  •  قانون التكرار الذي يقوي الروابط بين المثير والاستجابة؛
  •  قانون الأثر القائم على الثواب، وقد قال به واطسون
  • قانون التهيؤ والاستعداد المرتبط بالشعور بالرضا والانزعاج؛
  •  قانون التمرين الذي يقوي الارتباطات التعلمية؛
  •  قانون الانتماء الذي يقوي الرابطة بين المثير والاستجابة، عندما تكون الاستجابة الصحيحة أكثر انتماء إلى الموقف؛
  •  قانون الاستقطاب الذي يعني أن التعلم يتحقق بطريقة الترابط الميسر بدل الترابط المنعكس الصعب، كأن نتعلم معاني مفردات اللغة الفرنسية بالعربية أسهل من تعلمها بالفرنسية، كأن نذكر المفردة الفرنسية ثم نذكر معناها بالعربية. وهذا أفضل إذا طلب منا أن نذكر معنى المفردة العربية بالفرنسية.

علاوة على وجود مجموعة من القوانين الثانوية، مثل:

  •  قانون الاستجابة المتعددة التي تستلزم استجابات عدة ومتنوعة؛
  •  قانون الاتجاه أو المنظومة الذي يعني مدى تأثر التعلم باتجاهات المتعلم وميوله ودوافعه ورغباته وقناعاته؛
  •  قانون الاستجابة بالمماثلة، ويعني التعلم انطلاقا من المواقف السابقة المشابهة؛
  • قانون الانتقال الترابطي الذي يعني تعلم المواقف في ارتباطها بالمواقف التعلمية الأخرى

ومن جهة أخرى، تستند هذه المدرسة، على المستوى الابستمولوجي، على الفكر العلمي الوضعي والموضوعي والتجريبي متأثرة، في ذلك، بالعلوم الفيزيائية والفيزيولوجية والرياضية والطبيعية، بتطبيق المنهج التجريبي القائم على الملاحظة، والفرضية، والتجريب، والتكرار، والمقارنة، والقانون، والنظرية. دون أن ننسى أن هذه النظرية تقوم على مبدأ الحتمية العلمية، وربط الأسباب بالنتائج، وتمثل الموضوعية العلمية في البحث التطبيقي.

وفي الأخير، فقد ساهمت المدرسة السلوكية في إغناء مجال التعليم والتعلم والتكوين. ومن ثم، فالتعلم، في منظور المدرسة السلوكية، هو أن يكون المتعلم قادرا على تقديم الجواب المناسب، أو يكون قادرا على حل الوضعيات المعقدة والمركبة، أو يكون قادرا على تقديم الحلول الملائمة والمناسبة لمختلف المشاكل التي تواجهه في المدرسة من جهة، والحياة من جهة أخرى. ومن ثم، يتحقق التعلم الحقيقي عند المتعلم بالجمع بين المثير والاستجابة وتكراره عبر الوحدات الدراسية والتعلمية.

أضف إلى ذلك يتحقق التعليم السلوكي بتحديد الأهداف الإجرائية، وتقديم الوضعيات المتدرجة في السهولة والصعوبة لكي يجيب عنها المتعلم، وخلق السياقات الظرفية والبيئية التعليمية المختلفة للتثبت من مكتسبات المتعلم، و رصد مختلف استجاباته المعرفية، وتحديد مجمل المثيرات الدافعة نحو التعلم، وتبيان نوع طبيعة السلوك التعلمي لدى التلميذ بشكل علمي، وموضوعي، وتجريبي.

وعلى الرغم من إيجابيات المدرسة السلوكية، فإنها تهمل جوانب سيكولوجية أخرى تتعلق بما هو شعوري، ومعرفي. كما تسقط في الآلية الميكانيكية التكرارية. ثم، إن التعلم ليس مرتبطا بثنائية المثير والاستجابة بالضرورة، بل قد يكون التعلم نتاج الرغبة في التعبير عن المشاعر والأحاسيس الداخلية التي لا علاقة لها بالمحيط الخارجي. كما تملك الذات مؤهلات وراثية وعقلية وذكائية تسمح لها بالتعلم والاكتساب أكثرمما يتيحها المحيط الخارجي.

تربية وتعليم
تربية وتعليم
تعليقات