أساليب التدريس وعلاقتها بتحليل الممارسات المهنية

أساليب التدريس وعلاقتها بتحليل الممارسات المهنية

أساليب التدريس وعلاقتها بتحليل الممارسة المهنية

التدريس ليس مجرد علم، بل هو أيضًا فن؛ حيث تتعلق المضامين والمفاهيم والتصورات بالعلم في سياقه، بينما تنتمي المهارات المستخدمة في نقل هذه المعارف إلى مجال الفن.
الأسلوب الذي يستخدمه المعلم يظل قيمة كبيرة، لذا يجب الاهتمام بتطوير أساليب تدريسية أنيقة وراقية، خاصة في مجال التربية والتكوين.

يعد الأسلوب التدريسي نهجا يتبعه المدرس لتحقيق أهداف محددة أثناء التدبير الديدكتيكي، وتنفيذ طريقة التدريس تميزه عن غيره من المدرسين، وغالبا ما “يشير إلى خصائص وسمات مميزة للمعلم ولطريقة إنجازه”.

ويتميز الأسلوب البيداغوجي بالنسقية والتنظيم، فتقديم وضعيات تعليمية تعلمية يقتضي استحضار النظرة النسقية الشمولية التي تراعي كل العناصر الفاعلة في التدبير الديدكتيكي.

إن الأسلوب في جوهره لهو الجزء المهاري والسلوكي الذي يحقق الاستراتيجية التدريسية؛ بوصفها جملة القرارات والإجراءات البيداغوجية التي يتخذها المدرس، وتتجلى في أنماط من الأفعال والسلوكات، يؤديها المتعلم في سياق تعليمي خاص، تحتاج إلى التأطير والتوجيه والإرشاد من المدرس.

تتسم استراتيجية التدريس بالشمولية؛ من حيث مراعاتها لكل المواقف والمسارات والاحتمالات التي يمكن أن تقع في الفصل الدراسي وتؤثر فيه، كما أنها وثيقة الصلة بالكفايات والأهداف المنصوص عليها في التوجيهات والوثائق التربوية الرسمية، وتظل توقعية تنبئية، تهدف إلى تحقيق نتائج طيبة ومثمرة في المستقبل، كما أنها قابلة للتطوير والتعديل والتغيير مع مرور الزمن، وهادفة؛ بحيث تسعى إلى إشراك المتعلم الإيجابي والفعلي في بناء معارفه ومهاراته ومواقفه.

يعبر الأسلوب في مجال التربية عن مواقف التدريس التي يتبناها المدرس، ومن ثم؛ فهو الوجه العملي الذي من خلاله يؤلف المدرس بين الطريقة والاستراتيجية والوسائل والتقنيات؛ لنقل المضامين التعليمية وبنائها رفقة المتعلمين، مع الأخذ بعين الاعتبار كل السياقات الفاعلة في بناء الدرس أو التعلمات بشكل عام .ويكون الأسلوب التدريسي فعالا ووظيفيا، إذا ارتبط بالوضوح في الشرح والتطبيق العملي الحي، وبالتعامل المبني على التسامح والعلاقات الإنسانية الراقية.

تجب الإشارة إلى أن مداخل أسلوب التدريس متعددة، يبنيها الأستاذ حسب طبيعة تكوينه وقناعاته التربوية وميولاته النفسية والفكرية.

ويتحدد الأسلوب البيداغوجي في نظر خالد فارس في :
  • الطريقة المهيمنة في التربية والتكوين، وفي تصرفات المدرس الفردية؛
  • والكيفية التي يقدم بها المدرس المعرفة؛
  • والطريقة التي يعالج بها المتعلم المعارف ويبنيها أيضا؛ لأن المتعلم يتأثر بأسلوب مدرسه واختياراته التدريسية؛
  • والدينامية التي تميز عمل الأستاذ حسب الوضعيات؛
  • والأداة التي تؤثر في اختيار الطرائق والاستراتيجيات المهارية في عمليات التدريس؛
  • وأنه قناة مرنة تستحضر شروط الفعل التعلمي.
في ضوء ما سبق ذكره، يتحدد أسلوب التدريس في الممارسة البيداغوجية من خلال ثلاثة أبعاد أو مداخل رئيسة:

البعد الشخصي: الذي يعكس طريقة تفكير المدرس ومواقفه الوجدانية والقيمية والفكرية والاجتماعية، وهذه متغيرات ومحددات متصلة بشخصية المدرس التي تؤثر في عملية التدبير الديدكتيكي، لذا يصعب حصر أسلوب التدريس في نمط واحد، ووفق معايير محددة صارمة؛

– البعد العلائقي: الذي يصور كيفية التواصل مع جماعة الفصل، وطريقة تدبير التفاعلات؛ فالفصل الدراس ي يحفل بمختلف العلاقات التي تؤطرها حمولات فكرية وإنسانية ونفسية واعتقادية عديدة، يجب على المدرس أن يستثمرها استثمارا قويما، من أجل إرساء السلوكات والمواقف الإيجابية؛
– البعد الديدكتيكي: الذي يرسم طريقة تنظيم التعلمات وبنائها مع المتعلمين، ويفرض هذا البعد توافر المدرس على جملة من الكفايات التدريسية في مجال التخطيط والتنظيم والتدبير والتقويم.

وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن للمتعلم أسلوبا خاصا في بناء المعارف واكتسابها أيضا، والذي يعكس تصرفاته الفردية، وكيفية بناء علاقاته مع أقرانه، وكيفية التفاعل مع مضمون التعلم؛ تمثلا وتحليلا وتركيبا ونقدا، وكيفية التفاعل مع مدرسه والتواصل معه أيضا.

وخلاصة القول؛ “يرتبط أسلوب التدريس أساسا بالصفات والخصائص والسمات الشخصية للمدرس، حيث لا توجد قواعد محددة لأساليب التدريس، ينبغي على المدرس اتباعها أثناء قيامه بعملية التدريس، وبالتالي فإن أسلوب التدريس يظل مرهون بالصفات الشخصية للمدرس وبالتعبيراته اللغوية، والحركات الجسمية، وتعبيرات الوجه، والانفعالات، ونغمة الصوت، ومخارج الحروف، والإشارات والإيماءات والتعبير عن القيم”.

حتى يكون المدرس واعيا ، وعلى دراية بالأسلوب الذي يميزه، لابد من الوعي بأساليب التعلم أيضا ومراعاته في عملية التدبير، نظرا للعلاقة الجدلية القائمة بينهما، ولهذا يجب أن يوافق الأسلوب البيداغوجي مواصفات المتعلمين وحاجاتهم واستعداداتهم ورغباتهم؛ خصوصا في زمن التدريس بالكفايات الذي يتمحور حول شخصية المتعلم، فهو المسؤول عن بناء المعرفة ذاتيا. وقد حصر خالد فارس أسلوب التعلم الذي يعبر عن شكل التعلم، ويتأثر بالتصرفات الفردية والتفاعل مع الآخر والأقران ومع المحتوى في ستة مظاهرك:
  • يتجلى المظهر الأول في الوظيفة المعرفية والتحفيز والمجال السوسيوعاطفي؛
  • أما المظهر الثاني؛ فيخص الوظيفة المعرفية التي تغطي أبعادا مختلفة، تتجلى إما في التبعية،
  • أو الاندفاعية أو الاستهلاك والإنتاج أو التمركز والمسح، فلكل متعلم أسلوبه في اكتساب المعرفة
  • والتفاعل مع السياق التعليمي؛
  • المظهر الثالث للأسلوب التعليمي يتمثل في تفضيل بعض الطلاب للهيكلة والاستقلالية في عمليات التعلم، حيث يميلون إلى الاستفادة من وضعيات منظمة تتيح لهم التحرر وفقاً لمنهجية تفكير محددة. وهناك جانب آخر يتعلق بالتحليل والتركيب.
  • أما المظهر الرابع، فيتمثل في التحفيز الذي يجمع بين الدوافع الداخلية والخارجية في عملية التعلم ويجسد تكاملهما.
  • ويبقى مظهر التعاون أسلوبا تعلميا يعكس الميل للعمل ضمن فريق.
ويصل خالد فارس إلى خلاصة مفادها أن “أساليب التعلم تتنوع بتنوع الوضعيات ودافعية التعلم، وهي قابلة للتطوير عكس مميزات الشخصية”.
وبالعودة إلى الأسلوب التعليمي، فإنه يتجلى في نماذج مختلفة، وفق التصور الآتي:

- النموذج القيادي: وقد يكون مستبدا، أو متسامحا، أو بيروقرطيا، أو تشاركيا؛
النموذج المتمركز: إما حول شخصية المتعلم، أو حول عمليات تنظيم المعلومات، أو يتمركز
حول خيارات اجتماعية وجدانية وسياقية للمتعلم؛
- النموذج المعرفي: الذي يركز على الآليات والعمليات الذهنية التي تكتسب بها المعرفة؛
النموذج المنفتح:  الذي يقبل بالانفتاح على خيارات وطرائق وتقنيات متعددة، فهو نموذج يرى أن أسلوب التعليم ليس ثابتا، وإنما هو خيار تفضيلي يتسم بالمرونة والقدرة على التفاعل مع باقي النماذج واستيعابها، تمليه الظروف والمواقف التي تصاحب عمليات التعليم والتعلم.
يتأسس أسلوب التدريس الذي يوافق المقاربة بالكفايات، على مبادئ يمكن استثمارها في التدبير الديدكتيكي للدروس والحصص الدراسية، وهي مبادئ تسمح للمتعلم بتنمية مواهبه وملكاته الذهنية، وذلك باحترام إيقاعه في التعلم، ومن ثم الابتعاد عن البعد الكمي للمعارف والتلقين، والاهتمام بالبعد الكيفي والمستوى البنائي للمعارف، وهذا الأمر يتطلب العناية بتكييف الطرق والاستراتيجيات مع مهارات المتعلم وقدراته وحاجاته وخصوصياته، مع إشعاره بأن تعلماته ذات معنى وغاية، فتتيح له استعمال وسائل وتقنيات متنوعة، لتنمية شخصيته معرفيا ومهاريا ووجدانيا، ومن تطوير خبراته.
من هذا المنطلق لم يعد لأسلوب التلقين التسلطي مع اختيار التدريس وفق مدخل الكفايات مسوغ الاستمرار والنجاح، فقد انتهى عهد تلقين المتعلم مجموعة من المعارف البعيدة عن مجال اهتمامه، وإطلاعه على ذلك الكم الهائل من المعلومات والحقائق والمعارف؛ حيث يؤدي الأستاذ دور الممثل؛ فهو وحده الذي يشرح ويتكلم ويتدخل ويسأل ويجيب، بوصفه مركز الفعالية والتفكير والعمل.

يقتل الأسلوب التلقيني مواهب التلميذ ويضمرها، ويخمد عزيمته، ويلغي شخصيته واتجاهاته وخبراته، كما يقلل من قدراته واستعداداته وقابليته للبناء، والتكوين، والمشاركة، والفعل.ويبقى الأسلوب التدريسي الفاعل هو الأسلوب الموجه والتحفيزي الذي يراعي مميزات المتعلمين واحتياجاتهم الخاصة والمختلفة.

ويمكن تصنيف أساليب التدريس بناء على مجموعة من المعايير:
فمن زاوية المقاربة المنهجية، يمكن الحديث عن أسلوب التدريس المباشر المعتمد على بنية خاصة للمحتوى، وعلى إجراءات صريحة، والتطبيق الموجه والاعتماد على الأفكار الذاتية للمدرس، وغالبا ما يوظف في حالة المتعلمين الذين يعانون صعوبات في التعلم .بالمقابل نجد التدريس غير المباشر الذي ينفتح على آراء المتعلمين وأفكارهم ومواقفهم، ويسمح لهم بالمشاركة والتفاعل والتصرف، من أجل إيجاد حلول للمشكلات التي تواجههم وتؤرقهم.

وإذا استحضرنا معيار المقاربة الإنسانية والعلائقية، يقوم تصورها للتدريس على أنه عملية تشارك للخبرات، يتقاسم من خلالها المدرس أحاسيسه بصدق مع متعلميه، حيث يمنحهم الاهتمام اللازم والرعاية الكافية، ويتفهم ردود أفعالهم، ويستقبل أقوالهم وحركاتهم بتفهم وأريحية، ويمكن الحديث كذلك في هذا السياق عن أسلوب التدريس القائم على المدح والتشجيع والنقد أيضا، وأسلوب تدريس ي قائم على التغذية الراجعة، واستعمال أفكار المتعلمين، والتنويع في الأسئلة، مع الحرص على وضوح الرؤية في التقديم والعرض، وإثارة التنافس الجيد بين المتعلمين.

وإذا اعتمدنا معيار المقاربة البيداغوجية، نجد أسلوب التدريس ينحصر في مظاهر خمسة :

• الأسلوب الإلقائي السلطوي: حيث يعد المدرس مالكا للمعرفة، يحاول إيصالها إلى المتعلم عن طريق الإلقاء اللفظي وغير اللفظي، بالتركيز على المحتوى التعليمي والبعد المعرفي، ويهمش هذا النوع دور المتعلم؛ حيث يبقى عنصرا سلبيا داخل الفصل الدراس ي، متأثرا غير مؤثر. ويرى المدرس أن دوره ينحصر في عملية ضبط سلوك المتعلم وتحقيق النظام داخل الفصل الدراس ي، وفي ظل هذا المدخل يفقد المتعلم الشعور بالأمن والاطمئنان، وهذا ينفره من التعلم وبناء المعرفة ذاتيا.

• الأسلوب الاستفهامي: يركز على المتعلم، وعلى إجاباته عن الأسئلة، وعلى العناية بالمحتوى، ولا يعطي هذا الأسلوب أهمية كبرى لطريقة اكتساب المعرفة، وكيفية توظيف المسارات والإجراءات المعرفية والعمليات الذهنية، فهو أسلوب يقوم على تقنية سؤال/جواب.

• الأسلوب التحفيزي: ينطلق مما هو إنساني وعلائقي، ويعد المتعلم في هذا النموذج محورالعملية التعليمية التعلمية، ويهتم المدرس بكيفية حفز المتعلم من خلال الحوار الجماعي، والتعاون في إنجاز المهمات، والتشجيع والدعم والمساعدة، وتقاسم الخبرات والتجارب.

• الأسلوب الموجه: يركز على الوضعيات التفاعلية، ويجعل المتعلم مسؤولا عن بناء معارفه وتعلماته، ويحفزه على استثمار كل العمليات الذهنية والمعرفية من أجل البناء والاكتساب، فالمتعلم وفق هذا النموذج هو محور العملية التعليمية التعلمية، ويقتصر دور المدرس على التوجيه والإرشاد. وينظر هذا المدخل إلى أن عملية تدبير التعلمات هي عملية بناء وتعديل السلوك باستمرار نحو الغاياتالسامية والإيجابية، ومن ثم تنمية التصرفات والسلوكات المرغوبة، والتخلي عن السلوكات المرفوضة.

• الأسلوب المجيز: يجعل المتعلم محور التعلمات، التي تنطلق من واقعه وتلبي حاجاته ورغباته، وينهض على توظيف الطرق والتقنيات الحديثة، ويقتصر دور المدرس في هذا النموذج على تهييء الأنشطة والظروف الملائمة للتعلم، ويسهر على تيسير عملية الاكتساب ومتابعة سير العملية. ويرتكز هذا المدخل على إتاحة الفرصة للمتعلم للانخراط في العملية التعليمية التعلمية والمشاركة، وتقبل المعلم لتلاميذه، ويشجعهم على المبادرة وخلق أجواء التميز والجدارة، وتحقيق فرص جيدة للاندماج في بناء المعرفة والتعلم. كما يحرص المعلم على تنمية تجاذب جماعة الفصل الدراس ي وتماسكها عن طريق تشجيع جميع المتعلمين دون استثناء، وحثهم على التواصل والتفاهم فيما بينهم.
تربية وتعليم
تربية وتعليم
تعليقات