مفهوم ديناميكية الجماعات ومرتكزاتها

تعريف ديناميكية الجماعات ومرتكزاتها



  تتكون عبارة ديناميكية الجماعات (La Dynamique des groupes) من مفهومين أساسيين هما: الديناميكية والجماعات

 مفهوم الديناميكية

  استعير مفهوم الديناميك ( Dynamique) من المجال الفيزيائي، ويقصد به، في مجال الميكانيكا . مختلف العلاقات التي تكون بين القوى والحركات الناتجة عن هذه الأخيرة ويدل المصطلح على الطاقة، والقوة، والحركة والحيوية. ومن ثم، فنقيضه الثبات والسكون (Statique).

  وتعني الديناميكية، في المجال السيكو اجتماعي، مختلف القوى الإيجابية والسلبية التي تتحكم في الجماعة، وتساعدها على التوازن والتطور والاندماج أو الانكماش والتشتت والتناحر. كما أنها عبارة عن التفاعلات البنيوية الوظيفية التي تتحكم في نسق الجماعة. إذ كل تغيير يمس عنصرا فرديا داخل شبكة الجماعة، ونسقها البنيوي، فإنه يؤثر - لا محالة - في باقي العناصر الأخرى إما سليا، وإما إيجابا. وبالتالي فالديناميكية هي التفاعل النفسي والاجتماعي الذي يحدث باستمرار داخل الجماعة بين أعضائها بشكل بنيوي ووظيفي.

  وبتعبير آخر، فالديناميكية عبارة عن مثيرات واستجابات بالمفهوم السلوكي للتفاعل داخل الجماعة، فعندما يصدر عن فرد ما سلوك معين داخل الجماعة الواحدة، يكون لهذا السلوك استجابات فورية من باقي أفراد الجماعة ويعني هذا أن ديناميكية الجماعات عبارة عن قوى تفاعلية كيماوية تسهم في تحريك الجماعة، وتغيير اتجاهات أفرادها وميولهم الشخصية ، وتطوير رؤاهم ونوازعهم الذاتية إيجابيا ، أو شحنها بمكونات سلبية تهدد تماسك الجماعة، وتؤثر في انسجامها واتساقها الوظيفي هدما وتقويضا، كما هو شأن تفاعل عناصر الدارة الكهربائية فيزيائيا.
  ويرى هولنيك ( Hollenbeck) أن الديناميكية هي القوى التي تؤثر في العلاقات والتفاعل داخل الجماعة، والتي يكون لها تأثير في سلوك الجماعة ، فقد تعمل الدينامية على تطور الجماعة وتقدمها وتنظيم العلاقات داخلها مما يحقق النمو في الجماعة، أو قد تعمل على جمودها وتأخرها وقيام الصراع والتوتر في العلاقات بين أفرادها مما يؤدي إلى تدهور الجماعة وانحلالها.
  ومن هنا تنصب الديناميكية على مجمل التفاعلات البنيوية الوظيفية التي تحدث للجماعة فتؤدي إلى تغيير سلوكها، ثم الحفاظ على تماسكها وتوازنها، أو تؤدي بها إلى النمو والتقدم ، أو إلى الاضمحلال والتخلف عبر عمليات تفاعلية مستهجنة، مثل الصراع، والانشقاق، والتناحر، والتعصب. والاختلاف الهدام فأعضاء الجماعة تتعدد أنماط سلوكهم، وتتفاوت ميولهم وعاداتهم واتجاهاتهم وقيمهم، وهذا يجعل المجال الدينامي للجماعة ينبض بالتفاعل والحيوية اللازمة لنمو الفرد ونمو الجماعة في الوقت نفسه.
  فمن خلال التفاعل الاجتماعي تحدث مثيرات واستجابات بين أفراد الجماعة كما وتختلف هذه المثيرات والاستجابات باختلاف المواقف واختلاف الأدوار، إلا أن طبيعة التفاعل تكاد تكون متشابهة في كل الجماعات، وينتج عن التفاعل تقبل أو عدم تقبل، نبذ أو استنكار، تجاهل بين الأفراد وصداقات ومودة، وتجاوب ونفور، وكراهية.

  وعليه، فالدينامية هي نتاج القوى الفردية والجماعية التي تتفاعل بطريقة حيوية داخل نسق الجماعة بشكل توافقي أو اعتراضي

مفهوم الجماعة

  تتميز الجماعة ( Le groupe) بعدة خصائص تتمثل في التجمع، والتعدد والتنوع والتماسك. والانسجام، ويتزايد عدد أفرادها عن اثنين فما فوق حتى تصبح حشدا ( Foule)، وعصابة (Bande ). وتجمعا (regroupement). فضلا عن خاصية الانتماء والعمل الجماعي من أجل تحقيق هدف مشترك وتبادل التفاعلات والأدوار والوظائف وبالتالي تنطلق الجماعة في أداء مهماتها ومسؤولياتها ، من أهداف مسطرة مضبوطة بغية تحقيقها في مجالات معينة بوسائل محددة ، وتقويمها سلبا وإيجابا . من خلال تحديد نقط الضعف والقوة قصد الأخذ بمبدا التغذية الراجعة (feedback).

تعريف عام لديناميكية الجماعات

  يمكن تعريف ديناميكية الجماعات - بصفة عامة بأنها مجموعة من التفاعلات والقوى الحركية الفعالة والعلاقات البنيوية الوظيفية التي تتحكم في الجماعات البشرية بشكل سلبي أو إيجابي ، وتعمل أيضا على تطوير الجماعات، وتحسين أجوائها ومجالات عملها لتحقيق أغراضها وأهدافها، سواء أكانت شخصية أم جماعية.
  ويعرف جان میزونوف ( Jean Maisonneuve ) ديناميكية الجماعات بقوله: تهتم دينامية الجماعات في معناها الواسع بمجموع المكونات والسيرورات التي تتدخل في حياة الجماعات، وعلى الأخص الجماعات التي يكون أفرادها في وضع وجه لوجه بمعنى أن وجود الأفراد يكون نفسيا ويرتبطون فيما بينهم، ووجود تفاعل ممكن فيما بينهم.

  ويعني هذا أن ديناميكية الجماعات تهتم ببناء الجماعة، ومراقبة سيرورتها النمائية، ورصد التفاعلات النفسية والاجتماعية التي توجد بين الأفراد داخل الكل الجماعي.

مرتكزات ديناميكية الجماعات

  تستند دینامكية الجماعات إلى عدة مرتكزات إبستمولوجية، ويمكن حصرها في أبحاث الفلاسفة والسوسيولوجيين الأوروبيين الذين اهتموا بالجماعة اهتماما كبيرا، وأرسوا أسم دينامكية الجماعات كما عند إميل دوركايم، وشارل فوربي، وجان بول سارتر، وفرناند طونس وسمالينباش وجورج ميد. وشارل كولي... فضلا عن بيداغوجية الفكر التعاوني القائم على فكرة المطبعة، وآلية التراسل، وكتابة النصوص الحرة، والقيام بالتحقيقات الخارجية والميل نحو العمل الجماعي، وتأسيس التعاونيات المدرسية، والاهتمام بكتابة الجذاذات، وإنشاء جريدة الأطفال، والاهتمام بالتسيير الجماعي، والتركيز على كتاب الحياة، والعناية بخزانة العمل وتشغيل الآليات الحديثة كجهاز الفونو، والأسطوانات والسينما ... كما يبدو ذلك جليا عند سلستان فرينيه ( Celestin Freinet). وتذكر أيضا البيداغوجيا الاشتراكية التي تهتم بتهذيب الجماعة ضمن التفكير الاشتراكي والشيوعي، وتحفيز المتعلم على الانضباط داخل زمر اجتماعية من أجل تحقيق المردودية العملية والإنتاجية الفكرية لصالح تقدم الوطن وازدهاره كما لدى أنطوان ماكارنكو ( Antoin Makarenko ) الذي تأثر كثيرا بأفكار لينين وماركس، وأنجلز
  وهناك ، بيداغوجييا العمل الحر بالمجموعات الملفات المدرسية، مكتبة التوثيق لدى كوزينيه . وأبحاث العالم الألماني كورت لفين ( Kurt Lewin ) الذي أسس علم دينامكية الجماعات سنة 1944م. حينما طبق منهجية تجريبية سيكو - اجتماعية ديناميكية على مجموعات اصطناعية جامعا بين التنظير والتطبيق، ودراسة بنيات الجماعات ووظائفها ، معن خلال التركيز على المنشط وأنواع الزعامة والقيادة.

  كما كانت السوسيوميترية ( Sociometrie ) التي وضعها جاكوب لفي مورينو (1889-1971م) سنة 1959م من الآليات الإجرائية لفهم الجماعات، وتفسير تفاعلاتها البنيوية الوظيفية دون أن تنسى تقنيتي السوسيو غرام والسيكودراما اللتين استعان بهما مورينو لمداواة مرضاه المنعزلين، وتحليلهم نفسانيا واجتماعيا ، وتنشيط الجماعات عبر استكناه قواها الاندماجية والعلاجية ، واستقراء تفاعلاتها الذاتية والموضوعية.
  كما استفادت دينامكية الجماعات من أبحاث الطب النفسي، ومن تحليلات سيغموند فروید النفسية ، ولاسيما الأبحاث التي ركزت على الجماعة وخاصة في كتبه الطوطم والطابو) (1913) ، و (موسى والتوحيد) (1913م) و (علم نفس الحشود وتحليل) (الأنا) (1921م). فضلا عن أعمال بيون وديديي، وأنزيو (Anzieu)، وفولكس .

  علاوة على ذلك، فقد استفادت ديناميكية الجماعات من النظريات المعرفية في إطار علم النفس المعرفي منذ الستينيات من القرن العشرين مع جان بياجيه ونوام شومسكي من خلال الانطلاق من نتائج البيداغوجيا المؤسساتية مع جورج لا باساد، وفردناند أوري (FOurey) ، وعايدة فاسكيس Aida (Vasques))، وكلاباريد ( Clapared) والاستفادة من نتائج النظرية اللاتوجيهية مع كارل روجرز ( Karl Rogers) وأوليفييه ريبول (O.Reboul).
تربية وتعليم
تربية وتعليم
تعليقات