مشروع الوحدة أهدافه، مراحله، وأدوار المدرس والمتعلم

مشروع الوحدة أهدافه، مراحله، وأدوار المدرس والمتعلم

مشروع الوحدة أهدافه، مراحله، وأدوار المدرس والمتعلم


ينقل التدريس بالمشروع الممارسة الصفية التربوية من الاهتمام بالمحتوى المعرفي إلى العناية بكيفية تمكن المتعلمين من تملك آليات المعرفة وضوابطها، وطريقة توظيفها في حياتهم، فهو تدريس يركز على المتعلم واحتياجاته وأهدافه. وهذا الأسلوب سيمكنه من التأقلم مع المحيط والانخراط الواعي في المجتمع، بشكل يحفظ له التوازن والقدرة على الاختيار. لهذا فإن العمل بالمشاريع، يصب في أساسيات البيداغوجيا المتمركزة حول المتعلم وتحفيزاته وميولاته، ومن هذا المنطلق تم الانتقال من التعليم إلى التعلم لأن المتعلم في سياق التعلم بالمشروع يلائم تعلماته ويكيفها مع المحيط ومتطلباته، وتجعله هذه المنهجية في قلب السيرورة التعليمية التعلمية، فيحظى بمكانة متقدمة في الفعل التربوي.
 يعد نهج المشروع تبعا لـ "فيليب بيرينو Philipe Perrenoud عملا جماعيا، يسهر عليه متعلمو الفصل الدراسي، ويروم تحقيق إنتاج ملموس وواضح، يشارك فيه الجميع، وبواسطته يكتسب المتعلم تعلمات ومعارف ومهارات جديدة وواضحة ضمن المقرر الخاص بمادة من المواد أو بأكثر من مادة، فيصبح بذلك المشروع جزءا لا يتجزأ من إطار تعليمي عام، ينبني على الفعل والمثابرة وحسن التنظيم
وخطة أو نظاما داخل المنهاج الدراسي يهدف إلى إشباع حاجات الأفراد وتأهيلهم لمعايشة المستجدات في جميع مجالات الحياة.
  تحيل وظيفة المشروع بصفة عامة على تقديم وضعيات تعلمية تعليمية في صيغة مشروعات تدور حول مشكلة معينة واضحة، تجعل التلاميذ يشعرون بميل حقيقي لبحثها وحلها حسب قدرات كل منهم، وبتوجيه وإشراف من المدرسين، وذلك اعتمادا على ممارسة أنشطة ذاتية متعددة في مجالات متنوعة، وينطلق هذا التوجه ضمن ممارسة تتجاوز الحدود الفاصلة بين المواد (Décloisonnement)، حيث تتداخل لتتمحور حول مجموعة من الأنشطة الهادفة، بحيث تصبح المعلومات والمعارف، مجرد وسيلة لا غاية في ذاتها ...
ومنه يمكننا أن نستنتج بأنه عملية منهجية لاكتساب ونقل المعرفة حيث يتوقع المتعلم ويخطط ويحقق في وقت محدد نشاطا ملحوظا في سياق تربوي يؤدي إلى منتوج جاهز وقابل للتقييم وذلك بمفرده أو مع زملائه وتحت إشراف المدرس. ومن خلال هذا المفهوم يتضح أن المتعلم يتخذ خطوات وتدابير إجرائية محددة ومرسومة بدقة بمساعدة مدرسه تتسم بالتدرج، ولها منطق خاص ينظمها. إن التعلم بالمشروع يجعل المتعلم مكتشفا للمعرفة بنفسه، ومنخرطا في العملية التعليمية التعلمية.
   يتطلب المشروع توقع الفكرة، ثم الانتقال نحو التخطيط والأجرأة الفعلية، بغرض الوصول عمليا إلى منتوج ملموس يصور الفكرة المتوقعة وتستهدف الصبغة التربوية للمشروع التركيز على تطوير مهارات المتعلم وقدراته وكفاياته، وهذه الصيغة تلائم التدريس وفق المقاربة بالكفايات التي تؤكد على جعل التعليم متمركزا حول المتعلم، ويتأسس على العمل الجماعي، وتقاسم المهام، وتكامل الأدوار بين التلاميذ والمدرس من أجل اقتراح حلول للمشاكل التي تعترضهم أثناء العملية التعليمية التعلمية. ولهذا لا يجب أن ينصب مجال الاهتمام على إنجاز المشروع فقط، وإنما يجب التركيز أيضا على إفادة المتعلم منه بشكل كبير، فمواضيع المشروعات يجب أن تراعي مصلحة المتعلم وتخدم تعلماته وتعبر عن حاجاته المعرفية والوجدانية لأن توافق المشروع مع موضوعات التعلم ومجالات اهتمام المتعلم سيجعل فرصهم في الاستفادة والتعلم وتطوير الذات كبيرة جدا، وذات معنى وجدوى. لهذا يجب اختیار مشاريع لها علاقة ببرامج تكوين المتعلم وكفاياته حسب كل مستوى دراسي، وهذا يتطلب مجهودا فكريا مهما إعدادا وتخطيطا وتدبيرا وتقويما، فلا يمكن تطبيق التعلم بالمشروع، دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الفئة المستهدفة، ومميزاتها، والمستوى الدراسي، ومجالات اهتمامها، ومحيطها السوسيوثقافي، وإكراهات الزمن التي تلزم تنظيم حصص العمل وفق مراحل منتظمة.

في هذا السياق، يبدو مشروع الوحدة إطارا بيداغوجيا ومنهجيا للارتقاء بالمتعلمين معرفيا ووجدانيا ومهاريا، بجعلهم يتفاعلون مع مجالات الوحدات الدراسية وفهمها فهما أعمق من خلال البحث والتعلم الذاتي والتعاوني، فتصبح عملية التعلم بالنسبة إليهم حيوية وملهمة، وذات فاعلية أكثر؛ فيعمقون معرفتهم بالمحتوى التعليمي وأهدافه، ويبنون مهارات البحث والتفكير المنهجي والنقدي والإبداع والتواصل والتعاون.
  وتكمن أهمية مشروع الوحدة في ذلك الفعل المركب؛ بما يحققه من إدماج للمعارف والمهارات والقيم والمواقف لإنجاز مهمات محددة وحل وضعيات مشكلة يواجهها المتعلمون، والتي تتطلب تعاونا وتبادلا للمعارف وتقاسما للتجارب، علاوة على ما يحققه من تنمية المهارات التواصلية والتعبيرية، وإذكاء روح العمل الجماعي، والرفع من قيمة عمليات التفكير المنظم القائم على الاقتراح، والاختيار، والتوجيه، والنقد. من ثم يمكن العمل بمشروع الوحدة نقل الممارسة الصفية من التركيز على دروس صفية قصيرة ومبتورة محورها المدرس، إلى التركيز على النشاط التعلمي الممتد في الزمن . على هذا الأساس؛ فإن التعلم بمشروع الوحدة يعزز من حافزية المتعلم ودافعيته، ويطور مهارات حل المشكلات، ويطور الاستقلالية والمسؤولية في المشاركة، ويهيئ لإقامة مشاريع اجتماعية لاحقة وإدارتها.

أهداف مشروع الوحدة

يسعى مشروع الوحدة إلى تحقيق الأهداف التالية:
  • الربط بين النظر والعمل والفكر والممارسة؛
  • تشجيع المتعلم على ثقافة البحث والاتصال بمصادر المعلومات المتنوعة؛
  • تعميق المتعلم فهمه لموضوعات المجالات المدروسة؛
  • تنمية مهارات التخطيط وجمع المعلومات وتنظيمها، واستثمار ذلك في عملية الإنجاز؛
  • إذكاء الحس النقدي والتعاوني، وبث روح المبادرة وتحمل المسؤولية لدى المتعلم؛
  • تنمية مهارات الإبداع والتواصل والتعاون؛
  • حفز المتعلم للتحلي بقيم السلوك المدني الإيجابي والأخلاق الحسنة.

أدوار المدرس و المتعلم في مشروع الوحدة

يقتضي العمل بمشروع الوحدة توافر مجموعة من المواصفات والصفات لدى المدرس، كي ينمي المتعلم شخصيته معرفيا ومهاريا ووجدانيا، ويمكن إبراز بعضها على الشكل التالي:
  • تبني العمل بالمشروع تقتضي من المدرس تحديد المعارف المراد تطويرها عبر هذه الوسيلة،والكفايات التي يراد بناؤها؛
  • الاهتمام بحاجات المتعلم، وجعل التعليم متمركزا حوله؛
  • مراعاة خصوصيات المتعلمين ومميزاتهم والفروقات الفردية، واستثمارها من أجل إنجاز المشاريع؛
  • التحلي بقيم التواصل الإيجابي ومبادئ الحوار البناء والهادف؛
  • العناية بمعارف المتعلم القبلية وتمثلاته وأخطائه التي تفرزها السيرورة التعليمية، واستثمارها الاستثمار الجيد والأنجع؛
  • بث روح التعاون داخل جماعة الفصل، والعناية بتقريب وجهات النظر، وتأسيس مناخ علائقي إيجابي، وتوفير بيئة آمنة للتعلم؛
  • الإلمام بشروط إنجاز المشروع ومراحل إنجازه
وفي ضوء هذه المواصفات تتحدد أدوار المدرس ، فهو مدرب، يجب أن يتوفر على خبرة ودراية كافية في مجال التعليم، تسعفه في الإجابة عن أسئلة المتعلمين، ومساعدتهم على تجاوز كل العقبات والصعوبات التي تقف حجرة عثرة أمام تقدمهم في التعلم .
 ومن أدواره كذلك أنه منشط في المقام الأول، يجب أن يكون قادرا على التنظيم والإشراف والتجاوب مع جماعة الفصل، والحفز على إشراك جميع الأفراد، وذلك بخلق البيئة الآمنة المشجعة على الانخراط الجيد، والالتزام بما هو مطلوب إنجازه، والمساهمة في نجاح المشاريع، وهذا يتطلب الصرامة وقوة الشخصية وقدرة تفاعلية كبيرة.
 علاوة على ذلك يتعين على المدرس أن يتبنى وينهج ثقافة تحفيزية؛ لأن التعلم بالمشروع هو منهج تحفيزي بالأساس، ومن هذا المنطلق لا بد من العمل على إنجاز المشروع عبر محطات مناسبة وهادفة، حتى لا ينفر المتعلم من المهمات الموكولة إليه. في ظل هذا على المدرس أن ينهج أسلوب الحفز والتشجيع بشكل دوري ومتواصل، مع الإفادة من كل الأساليب والتقنيات التي تشجع على الاستمرارية والمثابرة والعمل الجدي.

ومن أدوار المدرس كذلك أن يسعى إلى تقويم عمل المتعلم والتذكير بضوابط العمل والإنجاز، فالتقويم يبقى سيرورة ممتدة عبر مراحل إنجاز المشروع المختلفة، ولا يجب أن يقتصر على مرحلة عرض المنتوج النهائي، مع ما يقتضيه ذلك من تزويد المتعلم بردود فعل بشكل منتظم.
وتلك أهداف تعلمية منبثقة من أنشطة المتعلم، فمن خلالها يمكن اشتقاق أدوار المتعلم في مشروع الوحدة؛ فهو إنسان مفوض، أوكلت له مهام التخطيط والتنفيذ والعرض والتقويم، وتبعا لذلك يلزم أن يشعر بالاستقلالية؛ فالمشروع سينجز باسمه وسيعكس قدراته ومهاراته، ومن هذه المسؤولية يتحتم عليه أن يكون فردا مشاركا وعارفا بدوره ومستوى تدخله، وفي الوقت نفسه يتعين أن يكون إنسانا متعاونا، يستثمر جميع إمكاناته وموارده ويعبئها في سبيل خدمة المشروع، ومتفاعلا مع أقرانه، ومنفتحا على اقتراحاتهم وأفكارهم ومواقفهم. وهنا تكمن ميزة مشروع الوحدة، فهو يهدف إلى تنمية كفايات الحوار والتواصل والانفتاح والتعاون وتقبل الرأي الآخر.

مراحل إنجاز مشروع الوحدة

مرحلة تحديد المشروع و التخطيط له

بعد تشخيص وضعية التعلمات، يساعد الأستاذ أفراد جماعة الفصل على اختيار مشروع الوحدة، في ارتباط تام بمجالها وبرامج تكوين المتعلمين، مع بيان دواعي هذا الاختيار، فلابد أن يحرص المدرس على استجابة المشروع لحاجات المتعلمين ومميزاتهم و ميولاتهم وإمكاناتهم.
ويناقش المدرس مع متعلميه من خلال هذه المحطة صيغ العمل ومراحل إنجاز المشروع وسبل التنفيذ، ويوزع عليهم المهام والأدوار، ويحيلهم إلى مصادر المعلومات والبيانات والمعطيات. فهذه المرحلة يجب أن تختص بالإعداد للمشروع من كل جوانبه تفاديا للإخفاق في عملية التنفيذ والتنزيل.

مرحلة إنجاز المشروع

يقود المدرس أفراد جماعة الفصل للبدء والشروع في إنجاز المشروع، مع تشجيعهم على تدوين تعليقاتهم وآرائهم وملاحظاتهم بخصوص الوثائق والبيانات والصور والقصاصات والمعلومات المعدة لعملية الإنجاز، والتي قد تشكل جزءا من ملف المشروع، من أجل حفزهم على التواصل والانخراط في العمل أكثر وبجدية أكبر.

مرحلة عرض المشروع وتقويمه

بعد عملية الإنجاز، تقدم كل مجموعة حصيلة عملها بالتناوب، مع الحرص على تنويع طرق العرض وأشكاله (تقارير مكتوبة، عروض وفق خطاطات، عروض شفوية، مجسمات، عروض توظف التكنولوجيا الحديثة …)، هكذا يتقاسم المتعلمون منتجاتهم، ويناقشونها، بإبداء الملاحظات والاقتراحات، من حيث صحة المعلومات والمعطيات، وأساليب الإقناع، والتركيز على مدى حضور أبعاد المشروع المعرفية والمهارية والوجدانية؛ بغرض التحسين والتجويد، والإفادة منها في إنجاز مشاريع لاحقة.
تربية وتعليم
تربية وتعليم
تعليقات